قبة النسر في مسجد دمشق و صحيح البخاري

قبةُ النَّسر بدمشق، و(صحيحُ البخاري)

إذا تصفَّح المرءُ كُتبَ التاريخ والتراجم فسيجذب انتباهَه ذِكرُ قبَّة الجامع الأمويِّ الشامخة، التي سُمِّيت بـ: قبَّة النَّسر.
ولا بدَّ لكل مَن كان بدمشقَ قاطنًا أو زائرًا أنْ يرى هذه القبةَ العليَّة البهيَّة، التي قال عنها ياقوت الحمويُّ في (معجم البلدان): «ليس في دمشقَ شيءٌ أبهى منظرًا منها».
وذكر الحافظ ابنُ كثير في (البداية والنهاية) قصةَ بنائِها زمنَ الوليدِ بنِ عبد الملك، وأفاد بأنها سُميتْ بـ: قبَّة النَّسر؛ لوجود الرِّواقات عن يمينها وشمالها كالأجحة لها.
وقد درَّس تحتَها كبارُ حفاظ الإسلام وعلماءِ المسلمين، وقُرئ تحتَها طوالُ المصنفاتِ والدواوين.
ومِن تعظيم حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم عندَ أهل الشام والاهتمامِ بسماعه، أنهم كانوا يَعقدون مجلسًا لإقراء (صحيح البخاري) روايةً ودراية، في الجامع الأموي تحتَ هذه القبَّة.
ثم في زمن الدولة العثمانية عامَ: (1050هـ) صار تدريسُ (صحيحِ البخاري) تحتَها وظيفةً رسميةً، ورُتبةً تشريفيَّة، لها ثلاثةُ موظَّفِين وهم:
1ـ المدرِّس: وهو عالم كبيرٌ مِن دمشق، له اشتغالٌ بعلوم الحديث رواية ودراية.
2ـ ومعيد الدرس: وهو الذي يقرأ على الشيخ المدرِّس.
3ـ وقارئ القرآن ببداية الدرس.
وكلٌّ واحدٍ مِن هؤلاء الموظفينَ له مرتبٌ كبير، يتقاضاه مما أوقفه العثمانيُّون لهذه الوظيفة؛ إجلالًا للعلم وأهلِه، واحترامًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وترغيبًا في إسماعه ونشرِه.
وممن نال شرفَ هذه الوظيفة الخاصةِ بإقراء (صحيح البخاري): شمسُ الدين الميداني، نجمُ الدين الغزي، علاءُ الدين الحصكفي، إسماعيلُ العجلوني، أحمدُ المنيني، وغيرُ واحدٍ مِن آل الكزبري.
إلى أنْ كان من أواخر مَن درَّس (صحيحَ البخاري) تحتَ هذه القبة الشامخة شيخُ مشايخنا العلامة المحدِّث بدر الدين الحسني، وحضر درسَه هذا كبارُ العلماء من مختلف الأقطار والأمصار ...
مما حدا العلامةَ المؤرِّخ عبدَ الرزاقِ البيطار أن يجمعَ رسالةً لطيفةً في ذلك اسمُها: «نتيجة الفِكْر فيمن درَّس تحتَ قبَّة النَّسْر».

ومما يُذكر هنا: أنَّ هذه القبةَ قد كُتب بأعلاها مِن داخلها بخطِّ الثلث قولُه تعالى: {قلْ كلٌّ يعمل على شاكلته} أربعَ مرات بطريقة فريدة، وتركيبةٍ بديعة
وقد نال شرفَ كتابتِها خطاطُ الدولة العثمانية يوسف رسا أفندي، وذلك عندما أرسله السلطان عبد الحميد الثاني على حسابه الخاص مع أقلامه وأحباره وأوراقه إلى دمشق؛ ليَخُط جدرانَ الجامع الأموي بعدَ حريقه سنةَ: (1893م)، فجزاه الله عنا وعن مسجدنا ومدينتا خيرَ الجزاء ...

وإليكم صورَ هذه القبة مِن خارجها وداخلها وتحهتا:


كتبه محمد وائل الحنبلي

تعليقات