لعله من المتفق عليه الافتراض أنه ليس ثمة اختراع من مخترعات القرن المنصرم حظي بأهمية و شعبية و تعديل و تنويع مثلما نال التلفزيون ، و لا سيما أنه الجهاز الذي اخترعه بيرد في عام 1902 ، و بقي على نطاق مائة عام من أكثر أهمية الكلمات التي طرأت على الحياة البشرية . التلفزيون ، و ما أدراك ما التلفزيون ، هو ما جمع في صندوقه الكتاب و التسلية و الإعلام و الاتصالات و الفنون و الثقافة و العلوم .. و أشياء أخرى ! ، و هو الشيء الأوحد الذي يمكن أن يتسمر في مواجهته الناس في أكثرية مناطق العالم لحوالي ثلاث ساعات أو أربع دون أن يحسبوا حساباً للوقت الذي مر .. و لا حتى لما سيمر من الوقت عدا عمن يحكم ما يقارب نصف ما يحيا من السن في مواجهة شاشته الفضية . التلفزيون ، و اسمحوا لي أن أبقي على تسميته تلك ، مع احترامي و إعجابي بالتعريب الذي طال اسمه و لما يطل محتواه فأطلق عليه الرائي و التلفاز و غيرها ، هو الضيف الذي لا يكتمل السهر بدونه ، و لا تنعقد الشلل سوى في حضرته . التلفزيون و كفى ..
نتساءل كأطباء أطفال .. هل من الحقيقي أن هناك نفوذ ما على الطفل بأي شكل من الأنواع من جراء رؤيته للتلفزيون ؟ و هل سيأتي يوم يسأل فيه طبيب الأطفال مريضه أو أهل مريضه عن البرامج التي يشاهدها الطفل أو الأغاني التي يحفظها في سياق سؤاله عن السوابق العائلية و الدوائية و الجراحية و عن التظلم ؟ في الواقع لا يمكن أن ننكر أن التلفزيون هو أحد أكثر أهمية ، لا لكن أكثر أهمية ، المؤثرات التي تتجاوز على الأطفال و أذهانهم كليا ! مضمناً بهذا تأثيراته السلبية ، و ما أكثرها ، و تأثيراته الإيجابية .. إن وجدت ! و أي نعم ! فمعرفة ما يتابعه الطفل على تلك الشاشة من أفلام و مسلسلات و برامج يدل على اهتماماته و نطاق تأثره و تآثره السلوكي و الأدبي و الثقافي ؛ و لنتذكر مسرحية " مدرسة المشاغبين " الشهيرة ، و التي ألحق لها التلفزيون انتشاراً واسعاً للغايةً ، و لا سيما بين أوساط التلاميذ و المراهقين ، بعدما قد كانت حكراً على من سيشاهدها في المسرح ، فأدى هذا إلى أن تشعبت وتوسّعت ثقافة " مدرسة المشاغبين " على مدى واسع بين " حشْد " الطلبة ، و قس على هذا .
إذاً بكلمات أدق : هل يتعلم الأطفال من التلفزيون ؟ أو هل يمكن اعتباره مصدر تعليم لهم ؟ و الجواب هو نعم من غير شك ! و لننظر إلى تلك المفارقة .. فعلى الرغم من أنه لا يبقى آباء محنكون و مهتمون بأطفالهم يسمحون لهم باستقاء العلم و التربية و التهذيب و التصرف من فرد غريب يتجاوز بهم في البيت .. سوى أن أكثرية هؤلاء الآباء يسمحون للتلفزيون بالقيام بذلك الدور ، و يتركون له الحبل على الغارب في تثقيف أبنائهم و بناتهم ، و تعليمهم التصرف و العلوم و الثقافة .
إن الأطفال و المراهقين يقضون في مواجهة شاشة التلفزيون وقتاً أكثر الأمر الذي يقضونه في أي فعالية أو نشاط آخر ما عدا السبات ! و يتنبأ أن الطفل الذي سيصبح في السبعين من السن ، و هو طفل عظيم نوعاً ما ! ، يكون قد قضى سبع سنوات كاملة من عمره و هو يرى التلفزيون ، ذلك إن كان معتدلا ً في هذا ، فهناك بعض الأطفال يقضون ما ليس أقل من 5 ساعات كل يومً في رؤية التلفزيون ، و ذلك يقصد 20% إلى حد ماً من أعمارهم ! أي نحو 14 عاماً حتى سن السبعين ! و إنها لحياة طويلة !
كما أن هؤلاء الأطفال و المراهقين إنما يتسمرون في مواجهة التلفاز بإرادتهم ، و دونما إجبار ، و هم يحبون حقاً ما يفعلونه ، و ذلك ما سيضاعف نفوذ التلفزيون عليهم كمعلم محبوب ، أو رفيق مستخف الظل و دمث الرفقة !
أضف إلى أن كثيراً من الأهالي يتركون أطفالهم باطمئنان خلال رؤيتهم للتلفاز ، فيغدو و كأنه جليسة أطفال إليكترونية ، تحشي أذهانهم و أرواحهم و أجسادهم بالغث و السمين و النافع و المؤذي و الضروري و غير الضروري من بيانات و ثقافات و مشاهدات .
لا تتوفر في الحقيقة الدراسات و المعلومات التي تتناول التلفزيون و تأثيراته بالمعنى العلمي للدراسة ، فاعتمدت في مقالتي تلك على البصيرة و الملاحظة المباشرة ، و في بعض الأحيانً ، و الخطاب في سركم ، اضطررت " آسفاً " للمتابعة المباشرة لبعض البرامج و القنوات الفضائية ، و من ثم تعميم " الحصائل " التي حصلت عليها من أجل إعطاء لمحة عامة عن الواقع الذي درسته تلك الملاحظة .
إن آلية تضرر الطفل من جراء رؤيته الطويلة للتلفزيون تعتمد على مجموعة من الأسباب المتأصلة في الطفل من ناحية و المرتبطة بالتلفزيون من ناحية أخرى ، أوجزها فيما يأتي :
1- أن الطفل يعتمد في اكتسابه للمهارات و الثقافات الحديثة على مبدأ التقليد ، و لا سيما تقليد الأشخاص الأضخم منه أو البالغين ! فهو مقلد بارع ، و يمكن أن تبدو يملك تلك الملكة منذ الأسابيع الأولى من حياته خارج الرحم ، فعلى الرغم من أن الطفل لا يكتسب المعنى الحقيقي في التعرف على أعضاء جسده إلى لاحقاً .. سوى أنه ، و من دون إدراك كامل ، يمارس تصرف التقليد في حركات الفم و العينين و اليدين و الجسد حتى قبل أن يقوم بالتعرف على تلك الأعضاء أو يقارن بينها و بين أعضاء من يقلده فيما يتعلم ، و يتعزز سلوك التقليد لدى الأطفال في حال شاهدوا أحد أشخاص عائلتهم يمارس التصرف الذي سوف يتم تقليده ، أو في حال عدم تواجد ما سيعلمه أن القيام بذلك الشغل ليس بالأمر المستحسن . و فيما يتعلق للأطفال ، فالتلفزيون هو ليس سوى وعاء ضئيل يقدم حركات و أفعالاً و أنماطاً من التصرف التي ينبغي على الطفل أن يقلدها و يمارسها .. لتنبع منه بعدئذ ذاتياً.
2- الفنتازيا و أنواع الإسقاط التي يعتمد عليها الطفل في ممارسة ألعابه و سلوكه و تعلمه ، فالطفل ايضاً ماكينة خيالات ضئيلة ، يتأثر كثيراً بالأوهام الذاتية ، أو المسلطة عليه من قبل مصدر آخر ، و قد لا تكون كل تلك الإهلاسات و الأوهام في المنحى المخيف أو المظلم من ذهن الطفل ، لكن على الضد .. فإن الفنتازيا ( الخيال ) أحد أكثر أهمية مكونات لعب الأطفال ، و هو ما يجعلهم يبنون ممالكهم المخصصة ، و ينسجون قصصهم و خرافاتهم ، و يشاركون فيها أقرانهم و آباءهم و الأشخاص الأضخم منهم سناً ، لكن و يبدون زهولهم كيف أنك لا يمكنها أن تشاهد مثلهم كل ذلك العالم الرائع الذي يتخيلونه ! و ذلك ما يجعل من التلفزيون مصدر إلهام روحي لتلك الفنتازيا ، و مغذياً لها دوماً بالمفردات الحديثة و الغريبة ، و يمكن للأطفال في بعض الأحيانً أن يروا في التلفزيون أرض أحلامهم التي تتحقق فيها كل خيالاتهم و هلوساتهم ، فعجباً لذلك الحاوية الضئيل الذي لا يمنع فيه شيء و لا يستحيل عنه شيء ، و كل ما تطلبه فيه .. يتحقق مباشرة .. و بيني و بينكم .. فإن عالماً كهذا .. أمثل إلى درجة ما من الواقع الذي نعيش فيه ..! و إن أحد أكثر أهمية داع لعدم تأثر البالغين سلباً بما يرونه على التلفزيون يرجع إلى قناعتهم بعدم صحة ما يرونه و أنها محض خيال ، فالكبار لا ينساقون كثيراً خلف الفانتازيا ، و هم يسعون عادة إلى التأمل و الاستفسار لمعرفة كيف استطاع مخرج أحد الأفلام مثلاً القيام بتلك الخدعة أو هذه ، بينما أن ذهن الطفل لا يحاسب الموضوعات على ذلك النحو ، و يكتفي باقتناعه بدرجات متفاوتة طبعاً ، بصحة ما يشاهده حتى و إن كان مخالفاً للواقع و المنطق .
3- يبني التلفزيون الشخصيات المحببة للأطفال على نحو متواصل ، فلا يكاد يتجاوز بضعة أشهر .. سوى و يسمع الأطفال بظهور مسلسل حديث خاص بهم .. لشخصيات حديثة ، و بمزايا حديثة تداعب الخيال الطفولي و تتفوق عليه في بعض الأحيانً ، و ذلك ما يجعل أذهانهم حكراً على النماذج المستوحاة من التلفزيون ، و هم باستمرارً بحاجة إلى مثل تلك النماذج ، و إن انتشار تلك النماذج و المسلسلات على مدى أوسع يجعل منها لغة مشتركة بين مغاير الأطفال ، و سبباً لتزايد نمو محيطهم الاجتماعي ، و مرجعية متعارف عليها فيما بينهم للتعارف و الالتقاء و ممارسة الألعاب المغيرة .
ماذا عن المحتوى ..؟
يمثل المحتوى ، أي ما يتم عرضه على شاشة التلفزيون ، لب الجلب الذي يتمتع به ذلك الجهاز لدى جمهوره من الأطفال ، و ذلك ما يجعله سلاحاً ذا حدين .. على الأغلب ! فمن ناحية يمكن أن يستفيد الطفل تعليمياً و ثقافياً و سياسياً من متابعته لما يتم عرضه له ، و من جهة أخرى يمكن أن تتأثر ثقافته و علومه و سلوكه سلباً بتلك البرامج و العروض .
إن أحد أكثر أهمية المبادئ التي تبنى عليها النظريات المغيرة في تعليم و تثقيف الأطفال هو أن يتعلم الطفل ما يناسبه في الوقت الملائم لهذا . إن الطفل ، من تلك الناحية ، كائن فضولي لا يكف عن طرح الأسئلة و تلقي المعلومات و عقد المقارنات و استنباط الاستنتاجات بخصوص كل ما يشاهده و يتعلمه ، و إن طرحه للأسئلة بكثرة أمر نافع بشكل كبيرً له .. ليس لاغير لأنه يعينه على تلقي الأجوبة ، لكن و لأنه يعرفه على المصادر التي ينبغي له أن ينهل منها إجاباته ، و إن ترك أي سؤال بإجابة عالقة لدى الطفل .. أو بلا إجابة .. سيحثه على تحري الجواب من مصدر آخر .. من الممكن أن يكون صديقاً .. أو معلماً .. أو بعد وقت قريبً .. أو جهاز تلفزيون ! و الإشكالية هنا أن التلفزيون يعرض في عديد من الأحيان أسئلة لا يلزم على الطفل أن يفكر في إجاباتها في تلك العمر ، و هي أسئلة لا قادر على سوى الآباء الحصيفون من الإجابة عليها ، و من المحتمل أحيانا قد كانت الحلول مخالفة لما رآه الطفل على الشاشة ، الشأن الذي يدفع الطفل للبحث بنفسه عن تلك الحلول الضالة عنه و التي لم يجدها لدى أهله و ذويه ، و في حال عرض التلفزيون بعض الحلول فإنه لا يعرض طول الوقتً الحلول الصحيحة ، و في حال عرضها .. فإنه قد يخلطها و يطبعها بطابعه المتميز و المرتكز على التهييج و التشويق و التحفيز .. كي تحافظ تلك الكيفية الإعلامية على مبررات وجودها و بقائها ، و ذلك ما يمكن أن ينعكس سلباً على الوجه الذي إستلم فيه الطفل معلومته أو جوابه عن استفساره ، و عن الأسلوب التي تم بها هذا .. و هل كان مقدار البيانات و أسلوب طرحها مناسباً لاستيعاب و سن الطفل .. أم أنه كان من الأجود لو تمت الإجابة عليه بأسلوب أمثل و أكثر ملاءمة لسنه وأكثر اهتمام لما يناسبه .. و ما لا يناسبه ، إذ لا يمكن أن نقحم طفلاً صغيراً في متاهات وقائع فجة تتعلق بمعتقداته و مبادئه و تعليمه و تثقيفه من مغاير النواحي .. الدينية و الخلقية و الاجتماعية و الجنسية ، فيفرغ الفضول الفريد له من محتواه ، و يتغير عن غايته الدائم في التعلم و التعرف و الاستطلاع .. باتجاه زاوية ضيقة ، و بنظرة مقيدة .. إعتاده بالضرر .. أكثر من النفع .
من جهة أخرى فإن محتوى التلفزيون يناسب الأفراد البالغين و الأضخم سناً ، و لا أظن أنه ، و أيما تم تهيئته لبلوغ ذلك المبتغى ، يستطيع اهتمام احتياجات الطفل المعرفية و الإدراكية بشكل إجمالي ، إذ يترك القيمون على ذلك المحتوى أمر رؤية الطفل و تعرضه لذلك المحتوى إلى الأهل .. فإن أرادوا السماح له بالمشاهدة .. فليفعلوا .. و سوى .. فإن هذا مردود إليهم بالكيفية التي ينبغي على الأهل اتباعها بهدف حظر تقصي هذا .
تشاهد .. ما الذي يراه الطفل ، و لا سيما في وجود انتشار القنوات الفضائية على ذلك النحو الذي خرج عن الهيمنة ؟ّ أجريتُ إحصائية طفيفة معتمداً على ما يعرضه بعض القنوات الفضائية من مواد موجهة لكافة أشخاص العائلة لا على التعيين ، و افترضتُ أن طفلاً يرى تلك القنوات .. و من ثم قمت ببعض العمليات الحسابية البسيطة ، فتبين لي ما يلي :
1- 145000 إشعار علني تجاري تعرض مرة كل عامً ! ! نعم صديقي القارئ .. مثلما قرأت ، و إن كل هذه النقاط هي أصفار على الأيمن و ليست نقاط استهلالية ، فالقنوات الفضائية هذا النهار تبث إرسالها على مدار أربع و عشرين ساعة ، و الشكر لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ! و تقاطع برامجها بمعدل مرة كل ربع ساعة للإعلانات ، و بعد خصم الساعات التي لا يتفرج فيها المرء على التلفزيون ، و بحساب القنوات الفضائية المختصة بالإعلانات التجارية ، و إدراج البرامج و المسلسلات التي " ترعاها " مؤسسات محددة ، و باستحضار بعض المواسم التي يتكاثر فيها البقاء على التلفزيون ، و بالتالي يتكاثر معدل عرض الدعايات ، و و و .. نتوصل في الخاتمة إلى أن الطفل يمكن أن يرى ما يزيد عن مائة ألف إشعار علني تجاري مرة واحدة فى السنةً !! أرجو أن تكونوا أيها الآباء قد حضرتم محافظكم لطلبات أبنائكم ، و رؤوسكم لترديد مطالبهم . الإشكالية ، صديقي القارئ ، أن الإشعار العلني ليس سوى أداة تجارية بحتة تهدف إلى مبالغة ما يسمى منطقة التعريض على المشاهد .. أي بمعنى أقل احترافية .. " محاصرة المشاهد " بصور و دعايات المنتج .. بحيث أن أقل قشة ستقصم ظهر و جيب رب العائلة لدى ذهابه إلى المحل للتسوق .. فلا يتورع عن شراء تلك السلعة تحت الضغط الإعلاني و الضغط العائلي . تشاهد ما موقف الطفل الذي ستزداد تلك المحاصرة عليه بينما أن لا بشأن له و لا قوة ، و إن سياسته الشرائية ليست نابعة منه ؟ أو ما موقف الوالد الذي سيزيد " الزن " على قمته من جراء هذا ؟ إن مختلَف البرامج التي يتم عرضها على التلفزيون تستقطع بالإعلانات التجارية .. أخر الأحداث في و المسلسلات و الأفلام و برامج الأطفال و الأغنيات .. و الدعايات بحد نفسها ! و" الحسّابة بتحسب " . و قد سجل الزمان الماضي في شرائع حمورابي في عام 2250 قبل الميلاد أن بيع أي سلعة للأطفال يُعد تغريراً بهم ، و هو لهذا جناية يعاقب عليها التشريع بعقاب يمكن أن يصل إلى الإعدام !! كما أن محتوى تلك الدعايات لا يخلو من الضرر بحد نفسه ، إذ يمكن يعرض في بعض الأحيانً على التلفزيون ما بين 1000 – 2000 إعلاناً للجعة أو البيرة و المشروبات الكحولية على بعض الفضائيات الأجنبية . إن لجوء المنتجين إلى كل ما يتاح لهم من سبل لترويج إعلاناتهم و منتجاتهم يعزز من اللاأخلاقيات التي قد يتم عرضها على الشاشة و يفاقم بالتالي من الإشكالية .
2- إن بعض المواد المعروضة على التلفزيون تكون فاضحة و إباحية إلى حاجز عظيم لا يناسب معه عرضها على الأطفال الذين ليسوا في وضع ملائم هذه اللحظة لتلقي كل تلك الجرعات من الإباحية ، و يجعلنا إما أن نطلب منهم على الفور مغادرة القاعة بالأمر العسكري و نكون بالتالي في موقف حرج في مواجهة علامة استفهام ضخمةً فوق رؤوسهم بخصوص الداعِي الذي يدفعنا للبقاء و الرؤية .. و يدفعهم للمغادرة ! أو أن تتجاهل هذا ، أو أن نغادر جميعاً الحجرة (و لا أظن أن ذلك يصدر عادة) ، و لا يلزم أن تتجاهل موضوع تعرض الطفل لتلك المشاهد لمدة طويلة ، و تترك الطفل عرضة لكثير من التساؤلات المبكرة بشكل كبيرً قبل أوانها .. و التي لن تتمكن من الإجابة عليها .. من جهة أخرى ، تؤثر تلك الإباحيات لا سيما على المراهقات اللواتي يرتكسن على نحو مغاير حيال الحال الذي يتم تصويره للمرأة و الرجل و علاقتهما سوياً ، و الشكل المبتذل في بعض الأحيانً لتلك الرابطة ، و لا سيما و أن المراهقات ينضجن على نحو أبكر من المراهقين .. الذين يمكن أن يتمدد نفوذ هذا عليهم على نطاق سنين النضج .. بينما يكون هذا مركزاً على مرحلة زمنية طفيفة نسبياً نحو المراهقات . و قد طالعت مرة دراسة عن أثر ما يعرض من مواد جنسية على التلفزيون الإقليمي على الأطفال في الدول الغربية ، و الولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص .. و قد أوردت التعليم بالمدرسة أن حجم ما يعرض من صلات جنسية أو حميمة بين الأصدقاء و الذين لا تربطهم أي رابطة ، أكثر بأربع و عشرين مرة من هذه التي تعرض بين الأزواج ، بافتراض أن الأخيرة لا ضرر من عرضها أساساً، و قد وصل عدد تلك المشاهد أكثر من 14000 مرأى في العام الواحد . من جهة أخرى ، فإن ما يسمى بالمشاهد الرومانسية لا تقل ضرراً ، و إن قد كانت أقل إباحية و عرضاً ، عن المشاهد الجنسية الفاضحة ، هذا أنها تعلق المراهقين و المراهقات بقصصها و تشدهم لمتابعتها .. فيستقون النماذج ، و يبنون الخبرات ، و يخوضون تجارب لا واعية في العالم الافتراضي .. فيصلوا إلى استنتاجات و قناعات من الممكن أن تكون غير صحيحة ، و لا سيما و أنها غير خاضعة للمراقبة و التصويب و التشذيب و التهذيب من قبل الذين يهتمون حقاً بأمر أطفالهم ، و مراهقيهم . إن وسائل الإغراء المتبعة في هندام و هيئة خارجية الشخصيات التي يتابعها الأطفال على التلفزيون ، و التي تسمى غير صحيح اسم الموضة ، تجعل الطفل الضئيل حتى بعمر 10 سنين يهتم لأمر تلك الشخصيات و يتابعها ، و هو لا يدري حقيقة لماذا ، لكن إنه يتابعها لأن فيها شيء ما يشده و يجذبه ، و هو يشعر بالسعادة حين تعرض و يشاهدها حتى و إذا لم يكن مهتماً بحقيقة و نوع المحتوى ، فهو يواصل تلك الشخصية التي أحبها و تعلق بها لجمالها و جاذبيتها ، و لكنه لا يعلم حقاً ما الداعِي ، علماً أن هناك من أطفال ذلك الجيل يعرفون حقاً ما الداعِي ! . إن مثل هذه المواد الإباحية عرّفت الأطفال المراهقين و المراهقات على الصلات الجنسية المبكرة ، و بينت جوانبها المثيرة و المستحبة ، و جعلت منها قصد مبررة في مواجهة كل انتقاد أو حظر ، و خلعت عنها صفتها البشرية التي جبلت أساساً عليها كوسيلة للتكاثر و استظهار النوع ، لكن على الضد .. عرفت المراهقين و المراهقات على حبوب حظر الحمل ، و وسائل الحظر ايضاً ، و وجوب ألا تسفر أي رابطة ما عن سقوط الحمل .. و فيما عدا هذا .. لا يهم ! فالمهم أن لا يتم الحمل قبل أوانه ، لأن في هذا ضرر على الصحة العامة و لا سيما نحو الفتاة ! فما رأيك صديقي القارئ بتلك التعليمات ، و التي قد تنم عن وفاء ناصحها المفرط و المبالغ فيه ؟!
فاللهم جنبنا مثل هؤلاء الناصحين ..!
نتساءل كأطباء أطفال .. هل من الحقيقي أن هناك نفوذ ما على الطفل بأي شكل من الأنواع من جراء رؤيته للتلفزيون ؟ و هل سيأتي يوم يسأل فيه طبيب الأطفال مريضه أو أهل مريضه عن البرامج التي يشاهدها الطفل أو الأغاني التي يحفظها في سياق سؤاله عن السوابق العائلية و الدوائية و الجراحية و عن التظلم ؟ في الواقع لا يمكن أن ننكر أن التلفزيون هو أحد أكثر أهمية ، لا لكن أكثر أهمية ، المؤثرات التي تتجاوز على الأطفال و أذهانهم كليا ! مضمناً بهذا تأثيراته السلبية ، و ما أكثرها ، و تأثيراته الإيجابية .. إن وجدت ! و أي نعم ! فمعرفة ما يتابعه الطفل على تلك الشاشة من أفلام و مسلسلات و برامج يدل على اهتماماته و نطاق تأثره و تآثره السلوكي و الأدبي و الثقافي ؛ و لنتذكر مسرحية " مدرسة المشاغبين " الشهيرة ، و التي ألحق لها التلفزيون انتشاراً واسعاً للغايةً ، و لا سيما بين أوساط التلاميذ و المراهقين ، بعدما قد كانت حكراً على من سيشاهدها في المسرح ، فأدى هذا إلى أن تشعبت وتوسّعت ثقافة " مدرسة المشاغبين " على مدى واسع بين " حشْد " الطلبة ، و قس على هذا .
إذاً بكلمات أدق : هل يتعلم الأطفال من التلفزيون ؟ أو هل يمكن اعتباره مصدر تعليم لهم ؟ و الجواب هو نعم من غير شك ! و لننظر إلى تلك المفارقة .. فعلى الرغم من أنه لا يبقى آباء محنكون و مهتمون بأطفالهم يسمحون لهم باستقاء العلم و التربية و التهذيب و التصرف من فرد غريب يتجاوز بهم في البيت .. سوى أن أكثرية هؤلاء الآباء يسمحون للتلفزيون بالقيام بذلك الدور ، و يتركون له الحبل على الغارب في تثقيف أبنائهم و بناتهم ، و تعليمهم التصرف و العلوم و الثقافة .
إن الأطفال و المراهقين يقضون في مواجهة شاشة التلفزيون وقتاً أكثر الأمر الذي يقضونه في أي فعالية أو نشاط آخر ما عدا السبات ! و يتنبأ أن الطفل الذي سيصبح في السبعين من السن ، و هو طفل عظيم نوعاً ما ! ، يكون قد قضى سبع سنوات كاملة من عمره و هو يرى التلفزيون ، ذلك إن كان معتدلا ً في هذا ، فهناك بعض الأطفال يقضون ما ليس أقل من 5 ساعات كل يومً في رؤية التلفزيون ، و ذلك يقصد 20% إلى حد ماً من أعمارهم ! أي نحو 14 عاماً حتى سن السبعين ! و إنها لحياة طويلة !
كما أن هؤلاء الأطفال و المراهقين إنما يتسمرون في مواجهة التلفاز بإرادتهم ، و دونما إجبار ، و هم يحبون حقاً ما يفعلونه ، و ذلك ما سيضاعف نفوذ التلفزيون عليهم كمعلم محبوب ، أو رفيق مستخف الظل و دمث الرفقة !
أضف إلى أن كثيراً من الأهالي يتركون أطفالهم باطمئنان خلال رؤيتهم للتلفاز ، فيغدو و كأنه جليسة أطفال إليكترونية ، تحشي أذهانهم و أرواحهم و أجسادهم بالغث و السمين و النافع و المؤذي و الضروري و غير الضروري من بيانات و ثقافات و مشاهدات .
لا تتوفر في الحقيقة الدراسات و المعلومات التي تتناول التلفزيون و تأثيراته بالمعنى العلمي للدراسة ، فاعتمدت في مقالتي تلك على البصيرة و الملاحظة المباشرة ، و في بعض الأحيانً ، و الخطاب في سركم ، اضطررت " آسفاً " للمتابعة المباشرة لبعض البرامج و القنوات الفضائية ، و من ثم تعميم " الحصائل " التي حصلت عليها من أجل إعطاء لمحة عامة عن الواقع الذي درسته تلك الملاحظة .
إن آلية تضرر الطفل من جراء رؤيته الطويلة للتلفزيون تعتمد على مجموعة من الأسباب المتأصلة في الطفل من ناحية و المرتبطة بالتلفزيون من ناحية أخرى ، أوجزها فيما يأتي :
1- أن الطفل يعتمد في اكتسابه للمهارات و الثقافات الحديثة على مبدأ التقليد ، و لا سيما تقليد الأشخاص الأضخم منه أو البالغين ! فهو مقلد بارع ، و يمكن أن تبدو يملك تلك الملكة منذ الأسابيع الأولى من حياته خارج الرحم ، فعلى الرغم من أن الطفل لا يكتسب المعنى الحقيقي في التعرف على أعضاء جسده إلى لاحقاً .. سوى أنه ، و من دون إدراك كامل ، يمارس تصرف التقليد في حركات الفم و العينين و اليدين و الجسد حتى قبل أن يقوم بالتعرف على تلك الأعضاء أو يقارن بينها و بين أعضاء من يقلده فيما يتعلم ، و يتعزز سلوك التقليد لدى الأطفال في حال شاهدوا أحد أشخاص عائلتهم يمارس التصرف الذي سوف يتم تقليده ، أو في حال عدم تواجد ما سيعلمه أن القيام بذلك الشغل ليس بالأمر المستحسن . و فيما يتعلق للأطفال ، فالتلفزيون هو ليس سوى وعاء ضئيل يقدم حركات و أفعالاً و أنماطاً من التصرف التي ينبغي على الطفل أن يقلدها و يمارسها .. لتنبع منه بعدئذ ذاتياً.
2- الفنتازيا و أنواع الإسقاط التي يعتمد عليها الطفل في ممارسة ألعابه و سلوكه و تعلمه ، فالطفل ايضاً ماكينة خيالات ضئيلة ، يتأثر كثيراً بالأوهام الذاتية ، أو المسلطة عليه من قبل مصدر آخر ، و قد لا تكون كل تلك الإهلاسات و الأوهام في المنحى المخيف أو المظلم من ذهن الطفل ، لكن على الضد .. فإن الفنتازيا ( الخيال ) أحد أكثر أهمية مكونات لعب الأطفال ، و هو ما يجعلهم يبنون ممالكهم المخصصة ، و ينسجون قصصهم و خرافاتهم ، و يشاركون فيها أقرانهم و آباءهم و الأشخاص الأضخم منهم سناً ، لكن و يبدون زهولهم كيف أنك لا يمكنها أن تشاهد مثلهم كل ذلك العالم الرائع الذي يتخيلونه ! و ذلك ما يجعل من التلفزيون مصدر إلهام روحي لتلك الفنتازيا ، و مغذياً لها دوماً بالمفردات الحديثة و الغريبة ، و يمكن للأطفال في بعض الأحيانً أن يروا في التلفزيون أرض أحلامهم التي تتحقق فيها كل خيالاتهم و هلوساتهم ، فعجباً لذلك الحاوية الضئيل الذي لا يمنع فيه شيء و لا يستحيل عنه شيء ، و كل ما تطلبه فيه .. يتحقق مباشرة .. و بيني و بينكم .. فإن عالماً كهذا .. أمثل إلى درجة ما من الواقع الذي نعيش فيه ..! و إن أحد أكثر أهمية داع لعدم تأثر البالغين سلباً بما يرونه على التلفزيون يرجع إلى قناعتهم بعدم صحة ما يرونه و أنها محض خيال ، فالكبار لا ينساقون كثيراً خلف الفانتازيا ، و هم يسعون عادة إلى التأمل و الاستفسار لمعرفة كيف استطاع مخرج أحد الأفلام مثلاً القيام بتلك الخدعة أو هذه ، بينما أن ذهن الطفل لا يحاسب الموضوعات على ذلك النحو ، و يكتفي باقتناعه بدرجات متفاوتة طبعاً ، بصحة ما يشاهده حتى و إن كان مخالفاً للواقع و المنطق .
3- يبني التلفزيون الشخصيات المحببة للأطفال على نحو متواصل ، فلا يكاد يتجاوز بضعة أشهر .. سوى و يسمع الأطفال بظهور مسلسل حديث خاص بهم .. لشخصيات حديثة ، و بمزايا حديثة تداعب الخيال الطفولي و تتفوق عليه في بعض الأحيانً ، و ذلك ما يجعل أذهانهم حكراً على النماذج المستوحاة من التلفزيون ، و هم باستمرارً بحاجة إلى مثل تلك النماذج ، و إن انتشار تلك النماذج و المسلسلات على مدى أوسع يجعل منها لغة مشتركة بين مغاير الأطفال ، و سبباً لتزايد نمو محيطهم الاجتماعي ، و مرجعية متعارف عليها فيما بينهم للتعارف و الالتقاء و ممارسة الألعاب المغيرة .
ماذا عن المحتوى ..؟
يمثل المحتوى ، أي ما يتم عرضه على شاشة التلفزيون ، لب الجلب الذي يتمتع به ذلك الجهاز لدى جمهوره من الأطفال ، و ذلك ما يجعله سلاحاً ذا حدين .. على الأغلب ! فمن ناحية يمكن أن يستفيد الطفل تعليمياً و ثقافياً و سياسياً من متابعته لما يتم عرضه له ، و من جهة أخرى يمكن أن تتأثر ثقافته و علومه و سلوكه سلباً بتلك البرامج و العروض .
إن أحد أكثر أهمية المبادئ التي تبنى عليها النظريات المغيرة في تعليم و تثقيف الأطفال هو أن يتعلم الطفل ما يناسبه في الوقت الملائم لهذا . إن الطفل ، من تلك الناحية ، كائن فضولي لا يكف عن طرح الأسئلة و تلقي المعلومات و عقد المقارنات و استنباط الاستنتاجات بخصوص كل ما يشاهده و يتعلمه ، و إن طرحه للأسئلة بكثرة أمر نافع بشكل كبيرً له .. ليس لاغير لأنه يعينه على تلقي الأجوبة ، لكن و لأنه يعرفه على المصادر التي ينبغي له أن ينهل منها إجاباته ، و إن ترك أي سؤال بإجابة عالقة لدى الطفل .. أو بلا إجابة .. سيحثه على تحري الجواب من مصدر آخر .. من الممكن أن يكون صديقاً .. أو معلماً .. أو بعد وقت قريبً .. أو جهاز تلفزيون ! و الإشكالية هنا أن التلفزيون يعرض في عديد من الأحيان أسئلة لا يلزم على الطفل أن يفكر في إجاباتها في تلك العمر ، و هي أسئلة لا قادر على سوى الآباء الحصيفون من الإجابة عليها ، و من المحتمل أحيانا قد كانت الحلول مخالفة لما رآه الطفل على الشاشة ، الشأن الذي يدفع الطفل للبحث بنفسه عن تلك الحلول الضالة عنه و التي لم يجدها لدى أهله و ذويه ، و في حال عرض التلفزيون بعض الحلول فإنه لا يعرض طول الوقتً الحلول الصحيحة ، و في حال عرضها .. فإنه قد يخلطها و يطبعها بطابعه المتميز و المرتكز على التهييج و التشويق و التحفيز .. كي تحافظ تلك الكيفية الإعلامية على مبررات وجودها و بقائها ، و ذلك ما يمكن أن ينعكس سلباً على الوجه الذي إستلم فيه الطفل معلومته أو جوابه عن استفساره ، و عن الأسلوب التي تم بها هذا .. و هل كان مقدار البيانات و أسلوب طرحها مناسباً لاستيعاب و سن الطفل .. أم أنه كان من الأجود لو تمت الإجابة عليه بأسلوب أمثل و أكثر ملاءمة لسنه وأكثر اهتمام لما يناسبه .. و ما لا يناسبه ، إذ لا يمكن أن نقحم طفلاً صغيراً في متاهات وقائع فجة تتعلق بمعتقداته و مبادئه و تعليمه و تثقيفه من مغاير النواحي .. الدينية و الخلقية و الاجتماعية و الجنسية ، فيفرغ الفضول الفريد له من محتواه ، و يتغير عن غايته الدائم في التعلم و التعرف و الاستطلاع .. باتجاه زاوية ضيقة ، و بنظرة مقيدة .. إعتاده بالضرر .. أكثر من النفع .
من جهة أخرى فإن محتوى التلفزيون يناسب الأفراد البالغين و الأضخم سناً ، و لا أظن أنه ، و أيما تم تهيئته لبلوغ ذلك المبتغى ، يستطيع اهتمام احتياجات الطفل المعرفية و الإدراكية بشكل إجمالي ، إذ يترك القيمون على ذلك المحتوى أمر رؤية الطفل و تعرضه لذلك المحتوى إلى الأهل .. فإن أرادوا السماح له بالمشاهدة .. فليفعلوا .. و سوى .. فإن هذا مردود إليهم بالكيفية التي ينبغي على الأهل اتباعها بهدف حظر تقصي هذا .
تشاهد .. ما الذي يراه الطفل ، و لا سيما في وجود انتشار القنوات الفضائية على ذلك النحو الذي خرج عن الهيمنة ؟ّ أجريتُ إحصائية طفيفة معتمداً على ما يعرضه بعض القنوات الفضائية من مواد موجهة لكافة أشخاص العائلة لا على التعيين ، و افترضتُ أن طفلاً يرى تلك القنوات .. و من ثم قمت ببعض العمليات الحسابية البسيطة ، فتبين لي ما يلي :
1- 145000 إشعار علني تجاري تعرض مرة كل عامً ! ! نعم صديقي القارئ .. مثلما قرأت ، و إن كل هذه النقاط هي أصفار على الأيمن و ليست نقاط استهلالية ، فالقنوات الفضائية هذا النهار تبث إرسالها على مدار أربع و عشرين ساعة ، و الشكر لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ! و تقاطع برامجها بمعدل مرة كل ربع ساعة للإعلانات ، و بعد خصم الساعات التي لا يتفرج فيها المرء على التلفزيون ، و بحساب القنوات الفضائية المختصة بالإعلانات التجارية ، و إدراج البرامج و المسلسلات التي " ترعاها " مؤسسات محددة ، و باستحضار بعض المواسم التي يتكاثر فيها البقاء على التلفزيون ، و بالتالي يتكاثر معدل عرض الدعايات ، و و و .. نتوصل في الخاتمة إلى أن الطفل يمكن أن يرى ما يزيد عن مائة ألف إشعار علني تجاري مرة واحدة فى السنةً !! أرجو أن تكونوا أيها الآباء قد حضرتم محافظكم لطلبات أبنائكم ، و رؤوسكم لترديد مطالبهم . الإشكالية ، صديقي القارئ ، أن الإشعار العلني ليس سوى أداة تجارية بحتة تهدف إلى مبالغة ما يسمى منطقة التعريض على المشاهد .. أي بمعنى أقل احترافية .. " محاصرة المشاهد " بصور و دعايات المنتج .. بحيث أن أقل قشة ستقصم ظهر و جيب رب العائلة لدى ذهابه إلى المحل للتسوق .. فلا يتورع عن شراء تلك السلعة تحت الضغط الإعلاني و الضغط العائلي . تشاهد ما موقف الطفل الذي ستزداد تلك المحاصرة عليه بينما أن لا بشأن له و لا قوة ، و إن سياسته الشرائية ليست نابعة منه ؟ أو ما موقف الوالد الذي سيزيد " الزن " على قمته من جراء هذا ؟ إن مختلَف البرامج التي يتم عرضها على التلفزيون تستقطع بالإعلانات التجارية .. أخر الأحداث في و المسلسلات و الأفلام و برامج الأطفال و الأغنيات .. و الدعايات بحد نفسها ! و" الحسّابة بتحسب " . و قد سجل الزمان الماضي في شرائع حمورابي في عام 2250 قبل الميلاد أن بيع أي سلعة للأطفال يُعد تغريراً بهم ، و هو لهذا جناية يعاقب عليها التشريع بعقاب يمكن أن يصل إلى الإعدام !! كما أن محتوى تلك الدعايات لا يخلو من الضرر بحد نفسه ، إذ يمكن يعرض في بعض الأحيانً على التلفزيون ما بين 1000 – 2000 إعلاناً للجعة أو البيرة و المشروبات الكحولية على بعض الفضائيات الأجنبية . إن لجوء المنتجين إلى كل ما يتاح لهم من سبل لترويج إعلاناتهم و منتجاتهم يعزز من اللاأخلاقيات التي قد يتم عرضها على الشاشة و يفاقم بالتالي من الإشكالية .
2- إن بعض المواد المعروضة على التلفزيون تكون فاضحة و إباحية إلى حاجز عظيم لا يناسب معه عرضها على الأطفال الذين ليسوا في وضع ملائم هذه اللحظة لتلقي كل تلك الجرعات من الإباحية ، و يجعلنا إما أن نطلب منهم على الفور مغادرة القاعة بالأمر العسكري و نكون بالتالي في موقف حرج في مواجهة علامة استفهام ضخمةً فوق رؤوسهم بخصوص الداعِي الذي يدفعنا للبقاء و الرؤية .. و يدفعهم للمغادرة ! أو أن تتجاهل هذا ، أو أن نغادر جميعاً الحجرة (و لا أظن أن ذلك يصدر عادة) ، و لا يلزم أن تتجاهل موضوع تعرض الطفل لتلك المشاهد لمدة طويلة ، و تترك الطفل عرضة لكثير من التساؤلات المبكرة بشكل كبيرً قبل أوانها .. و التي لن تتمكن من الإجابة عليها .. من جهة أخرى ، تؤثر تلك الإباحيات لا سيما على المراهقات اللواتي يرتكسن على نحو مغاير حيال الحال الذي يتم تصويره للمرأة و الرجل و علاقتهما سوياً ، و الشكل المبتذل في بعض الأحيانً لتلك الرابطة ، و لا سيما و أن المراهقات ينضجن على نحو أبكر من المراهقين .. الذين يمكن أن يتمدد نفوذ هذا عليهم على نطاق سنين النضج .. بينما يكون هذا مركزاً على مرحلة زمنية طفيفة نسبياً نحو المراهقات . و قد طالعت مرة دراسة عن أثر ما يعرض من مواد جنسية على التلفزيون الإقليمي على الأطفال في الدول الغربية ، و الولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص .. و قد أوردت التعليم بالمدرسة أن حجم ما يعرض من صلات جنسية أو حميمة بين الأصدقاء و الذين لا تربطهم أي رابطة ، أكثر بأربع و عشرين مرة من هذه التي تعرض بين الأزواج ، بافتراض أن الأخيرة لا ضرر من عرضها أساساً، و قد وصل عدد تلك المشاهد أكثر من 14000 مرأى في العام الواحد . من جهة أخرى ، فإن ما يسمى بالمشاهد الرومانسية لا تقل ضرراً ، و إن قد كانت أقل إباحية و عرضاً ، عن المشاهد الجنسية الفاضحة ، هذا أنها تعلق المراهقين و المراهقات بقصصها و تشدهم لمتابعتها .. فيستقون النماذج ، و يبنون الخبرات ، و يخوضون تجارب لا واعية في العالم الافتراضي .. فيصلوا إلى استنتاجات و قناعات من الممكن أن تكون غير صحيحة ، و لا سيما و أنها غير خاضعة للمراقبة و التصويب و التشذيب و التهذيب من قبل الذين يهتمون حقاً بأمر أطفالهم ، و مراهقيهم . إن وسائل الإغراء المتبعة في هندام و هيئة خارجية الشخصيات التي يتابعها الأطفال على التلفزيون ، و التي تسمى غير صحيح اسم الموضة ، تجعل الطفل الضئيل حتى بعمر 10 سنين يهتم لأمر تلك الشخصيات و يتابعها ، و هو لا يدري حقيقة لماذا ، لكن إنه يتابعها لأن فيها شيء ما يشده و يجذبه ، و هو يشعر بالسعادة حين تعرض و يشاهدها حتى و إذا لم يكن مهتماً بحقيقة و نوع المحتوى ، فهو يواصل تلك الشخصية التي أحبها و تعلق بها لجمالها و جاذبيتها ، و لكنه لا يعلم حقاً ما الداعِي ، علماً أن هناك من أطفال ذلك الجيل يعرفون حقاً ما الداعِي ! . إن مثل هذه المواد الإباحية عرّفت الأطفال المراهقين و المراهقات على الصلات الجنسية المبكرة ، و بينت جوانبها المثيرة و المستحبة ، و جعلت منها قصد مبررة في مواجهة كل انتقاد أو حظر ، و خلعت عنها صفتها البشرية التي جبلت أساساً عليها كوسيلة للتكاثر و استظهار النوع ، لكن على الضد .. عرفت المراهقين و المراهقات على حبوب حظر الحمل ، و وسائل الحظر ايضاً ، و وجوب ألا تسفر أي رابطة ما عن سقوط الحمل .. و فيما عدا هذا .. لا يهم ! فالمهم أن لا يتم الحمل قبل أوانه ، لأن في هذا ضرر على الصحة العامة و لا سيما نحو الفتاة ! فما رأيك صديقي القارئ بتلك التعليمات ، و التي قد تنم عن وفاء ناصحها المفرط و المبالغ فيه ؟!
فاللهم جنبنا مثل هؤلاء الناصحين ..!
تعليقات
إرسال تعليق