سمعنا عن جنون الإنس وجنون البقر, ولكن لم يسمع العديد منا عن جنون الشجر(1), الذي يعلمه المختصون في النبات منذ قرن من الدهر.
وعرف الأعشي جنون النبات منذ اكثر من ألف عام عندما صرح :
فإذا جادت الدجى وضعوا القِدْ ح وجُن التلاع والآفاق
أي: كثر عشبها حتى صارت كأنها مجنونه , كما أفاد الراغب الاصفهاني(2).
وذلك الجنون النباتي رآه اليابانيون فجأة في نباتات حقول أرزهم عندما أصابها مرض الباكانا(Bakanae Disease )(3) فقد استيقظ اليابانيون يوماً في خاتمة القرن التاسع عشر ليرو نباتات حقولهم المزروعة بالأرز (Rize ) قد جنت نباتاتها واستطالت بأسلوب مفزعة وعجيبة , وبعد مدة أجهدها الداء فشحب لونها وأصبحت مصفرة ( Chlorotic ), ومن الاجهاد والمرض عقمت هذه النباتات وتنتج الحبوب.
وفي مطلع القرن العشرين الميلادي أفصحت وضعية الطوارىء في اليابان لانتشار ذلك الجنون في كل الحقول , صرح العوام إنه مس من الجن والشيطان , وحنق من الآلهة , وتحدث العالمون إنه مرض وداء , والله أنزل لكل داء علاج, ووضعوا برنامجا علمياً لمنع انتشار الداء , وبعد البحث والتحري العلمي الدقيق وجدوا أن هناك رابطة بين البادرات المجنونة وأحد الفطريات الخفية , عزلوا هذه الفطرة وفحصوها فإذا هي فطرة الجبريللا فيوجيكوريGibberella fujkuroi والمعروفة بيننا هذه اللحظة بفطرة الفيوزاريوم مونيليفورم Fusarium monileformae.
حاصر العلماء الداء وأعلنو الحجر الصحي , وأجروا البحوث لمنع انتشارالمرض والتخلص منه والوقاية منه.
ولكن ما رابطة جنون البادرات بالهرمونات ؟
ذلك ما سوف نميط اللثام عنه في السطور المقبلة بإذن الله , فقد وجد الباحثون أن فطرة الفيوزاريوم تنتج نوعاً من الهرمونات النباتية يقود إلى جنون البادرات
(Foolish seedlings Disease), وهلاك النبات, من هنا كان من اللازم علينا أن نوضح لكم جانباً من جوانب الهرمونات النباتية وتأثيراتها الحيوية الخفية, خاصة أننا بتنا نسمع عنها يومياً في وسائل الاعلام التي تحذرنا من النباتات المعاملة هرمونياً, خوفاً علينا من الداء والسرطان .
وإذا قد كانت هذه البيانات معلومة من خاتمة القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين , فلماذا خفيت عن عديد أحد أبناء المسلمين حتى هذه اللحظة؟
ولماذا لم نتنبه نحن المسلمين لتلك الظواهر الحيوية في حياتنا اليومية , ونحن نلمح جزءً من ذلك الجنون على بادرات الحلبة Trigonella foenum, وبذرة الفول Vicia faba التي نزرعها في الأماكن المظلمة في منازلنا ومدارسنا ؟
كل تلك الظواهر تتجاوز علينا مر الجان الخفي , لأننا لم نتعلم التعلم الناقد المبدع المتفكر (في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ) كما أمرنا الله.
الهرمونات التي نعنيها هي الهرمونات النباتية التي نشاهد تأثيراتها الخفية عندما يسير الساق (Stem ) باتجاه الضوء , والجذر (Root) باتجاه الماء والأرض.
فما هي الأساليب وطرق العمل , والنعم الهرمونية التي أنعم الله بها على هذه الكائنات النباتية حتى تسلك هذه المسالك العجيبة والغريبة والمعجزة ؟!.
المعروف علمياً أن أكثرية الظواهر والاستجابات النباتية تؤدي إليها مجموعة من السيارات العضوية النباتية التي تنتج بأحجام قليلة بشكل كبيرً, ويبدو تأثيرها بعيداً عن مراكز تكوينها, وتسمى تلك السيارات بالهرمونات النباتية الطبيعيةNatural Plant Hormones.
وبالدراسة والبحث قسم العلماء الهرمونات النباتية تبعاً لفعلها الحيوي إلى :
- هرمونات منشطة للنمو أو المنشطات ( Activators ).
- وهرمونات مثبطة للنمو أو المثبطات ( Inhibitors ).
وتوضع هذه المنشطات والمثبطات في قسم واحد يسمى بمنظمات النمو (Growth regulators ) أو المنظمات ( Regulators ).
وحالياً تبقى منظمات النمو الطبيعية ( Natural growth regulators ) وهي المنظمات التي تنتجها النباتات طبيعياً , ومنظمات النمو الصناعية ( Artificial growth regulators ) والتي أمكن تصنيعها لتعطي نفس التاثير الحيوي الذي تؤديه منظمات النمو الطبيعية.
وتقسم منشطات النمو النباتية تبعاً لتركيبها الكيميائي وفعلها الحيوي إلى :
1. الأوكسينات Auxins
2. الجبريللينات Gibberellins
3. السيتوكينينات Cytokinins
4. الإيثيلين Ethylene
وتقسم مثبطات النمو النباتية تبعاً لتركيبها الكيميائي وفعلها الحيوي ايضاًً إلى:
1. حامض التسقيط Abscisic acid
2. الفينولات Phenols
1- الأوكسينات ( Auxins ) :
وهي تنتج من القمم النامية للنبات , وتؤدي إلى مبالغة نمو الساق في الطول , وارتفاع لدونة Plasticityومرونة (Elasticity ) خلايا النبات , الأمر الذي يقود إلى استطالتها عندما تتدفق فيها السوائل الداخلية على الإطلاقً كما ينتج ذلك للبالونه متجاوبة الجدار Elasticwall عندما ينفخ فيها الرياح , ولكن لدونة جدار الخلية يمنع عودتها إلى سيرتها الأولىا , ضد ما يأتي ذلك نحو تفريغ البالونه من الرياح متجاوبة الجدار.
وإذا نظرت إلى حقل نبات دوار الشمس تلمح عجبا, إن كل قمم سيقان النباتات تتوجه جهة الشروق تطهر للصلاة الشمس, وظن الجهلاء أنها تعبد الشمس فسموها بعباد الشمس, ولكن الحقيقة أن الشمس يقع تأثيرها على اعداد الأوكسينات في الناحية المضاءة بتقليلها, فيقل نمو تلك الناحية من الساق, ويزداد نمو الناحية المقابلة, فتكون المحصلة ذلك الوجهة المعهود للنبات جهة الضوء.
والأكسينات تؤدي إلى مبالغة معدل شقاق الخلايا النباتية , مع مبالغة في محتواها من الحامض النووي DNA والبروتين , و مبالغة في تدفق السوائل إلى داخل الخلية, فيزداد ضغط امتلائها .
ويشجع الأكسين نمو الجذور العرضية( Adventitious roots) على العقد الساقية (Stem nodes ) القريبة من الأرض, وتستغل تلك الخاصية في زراعة بعض النباتات بالذهن الساقية ( Inter nodes stem).
والمعاملة بالأكسين تطيل السن الخضري للنبات , وتمنع تكوين الأزهار , وتستغل تلك الخاصية في إصدار المحاصيل الورقية والخضروات .
وتعامل بعض النباتات بالأكسينات لإنتاج ثمار خالية من البذور (Seedless frutes Parthenocarpy ), ومنع ظهور البراعم على درنات البطاطس المخزنة في الثلاجات
( منعطف يبين أن تركيز الأكسين الذي ينشط نمو السيقان يثبط نمو الجذور )
2- أما الجبريللينات (Gibberellins) : فهي مجموعة من الهرمونات النباتية التي تنتجها الأوراق النباتية الجديدة والقمم النامية في الجذور والسيقان, وتنتجها فطرة الفيوزاريوم Fusarium monileformae بمقادير عظيمة نسبياً , وتمتاز تلك السيارات باحتوائها على هيكل جيباني( Gibbane skeleton) لحمض الجبريلليك ( Gibberelic acid ) .
( حمض الجبريلليك والهيكل الجيباني ) (نمو فطرة الفيوزاريوم على وسط غذائي صناعي)
وتؤدي الجبريللينيات والمعاملة بها إلى استطالة الخلايا النباتية, وتكوين الثمار اللابذرية , وهي تتغلب على تقزم السيقان النباتية الوراثي , وتؤدي إلى استطالة جنونية للسيقان النباتية , وتزيد من إصدار الأفرع الجانبية وخصوصا الزهرية الأمر الذي يضيف إلى عدد الأزهار والثمار فيزداد الإصدار .
كما أن معاملة نبات العنب بالجبريللينات يقود إلى كبر مقدار حبات العنب وعددها وتعملق عناقيد العنب , كما تؤدي إلى استطالة سلاميات(Inter nodes (سيقان نبات قصب السكر Saccarium officinarium الأمر الذي يسهل مصه وعصره .
وهناك مجموعة السيتوكينينات ( Cytokinins ) وهي مجموعة من الهرمونات النباتية تتضمن على مركب الكينيتين (kinetine ) , وهي تنتج في الأنحاء المرستيمية (Meristimic ) الغضة في النبات, ومتوفرة في الجذور والأوراق جديدة السن والثمار النامية , وتؤدي السيتوكينينات إلى مبالغة شقاق الخلايا النباتية نحو خلطها بالأكسينات , مع مبالغة ملحوظة في محتوى الحامض النووي DNA في الخلية , وهي تستخدم في كسر كمون البذور وإسراع انباتها , وفي اصدار ثمار بلا بذور, وتمنع شيخوخة الأوراق وسقوطها, وتؤدي إلى نمو البراعم والأغصان .
3- أما حامض التسقيط Abscic acid :
فيستخدم في تسقيط الأوراق من على نبات القطن Gossypium barbadense حتى يسهل جني ألياف القطن الشاغرة من أوراق النبات .
وفي ذلك الحين استخدمت أمريكا بعض منظمات النمو لكشف الفييتناميين خلال الحرب الفيتنامية بتسقيط أوراق النبات, وأماط اللثام المقاتلين, وفي ذلك الحين أدى الافراط في استعمال تلك المواد في انتشار الكثير من أمراض السرطان .
والهرمونات النباتية, وتخصصها الدقيق وفعلها الحيوي يدلل على أن كل شيء في ذلك الكون ممنهج ومخلوق لغاية قدرة, وأنه لامجال للصدفة والعشوائية في تلك المخلوقات, فمبيدات الأعشاب سيارات كيميائية هرمونية تخصصية تبخ في حقل الأرز (Rize ) الغزير فتقتل الدنيبه Euhinochloa crus وهي أحد النباتات العشبية التي تنمو في الحقل , وتترك نبات الأرز مع أن التشابه بين الدنيبه والأرز دقيق بشكل كبير , ولايفرق بينهما بسهوله سوى الفلاح المتمرس وصاحب الخبرة, والنباتي المختص , وذلك من أعجب العجائب, كيف يقتل الهرمون ذلك النبات ويترك الآخر؟ وذلك مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى ( ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) طه 50 .
- لتفسير تلك الآية الكريمة انظر كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات .
- ولزيادة التفصيل في موضوع الهرمونات النباتية عليك بكتاب الهرمونات النباتية والتطبيقات الزراعية – الشحات نصر أبوزيد , مكتبة مدبولي , القاهرة عاصمة مصر , وكتاب Plant Physiology لمؤلفيه Delvlin and Wiham وترجمته العربية- الناشر الدار العربية للنشر والتوزيع . وبعض كتب فسيولوجيا النبات التي تدرس في كليات العلوم والزراعة , فعيب على كل منا أن لانعلم عن تلك السيارات بعض المعرفة خاصة في وجود تلك الثورة العلمية النباتية , والثمار المعالجة , والنباتات والثمار العملاقة , والتجارة في كل شيء محلل ومحرم من دون ضوابط علمية وخلقية , كما تَستطيع استعمال الهرمونات في زراعة الذهن النباتية وإنتاج نباتات نافعة.
وفي دكاكين بيع الأزهار الكثير من النباتات الجذابة المعاملة بالهرمونات وبعد شرائها يدب فيها الوهن والضعف والذبول, فإذا كنت تعلم شيئاً عن تلك النباتات وهذه الهرمونات أمكنك تميز النبات المعامل الذي يتطلب إلى رعاية خاصة , والنبات الطبيعي الذي يمكننا التداول معه بسهوله.
ــــــــــــــــــــ
(1)- في البحرين تزرع شجرة كونوكاربس Conocarpus sp. يسميها الناس الشجرة المجنونة لنموها الجنوني والسريع والمقاوم للظروف الجوية القاسية ماعدا قلة المياه.
(2)- كلمات ألفاظ القرآن , الراغب الاصفهاني ,دار القلم : دمشق بسوريا(1979م) باب (جن).
(3)- الباكاني (Bakanae ) كلمة يابانية تعني الجنون (Foolish ) .
تعليقات
إرسال تعليق